العِلمُ سبيلنا الوحيد إلى المستقبل الواعد
بقلم الدكتور : علاوة كوسة
ستظلّ الجامعةُ مركزَ إشعاع علميّ و مخبرَ بحثٍ واعٍ منتِجٍ ، وموطنَ طرح الإشكاليات الكبرى بعمق فكريٍّ ونقاشٍ علميّ ودرسٍ هادفٍ منفتحٍ على الآخر ، وستبقى الجامعةُ شريكا للفعل الثقافي الجمعيّ المواكب لتطورات الأمم والمجتمعات الراقية ، التي تبني مستقبلَها بأكفّ أبنائها مثمّنةً عقولَهم ، وببحوث علمائها راعيةً نتاجاتهم العلمية والفكرية باحتفاء وفخر، وسيبقى العلمُ عمادَ الحياة والمجتمعات والأمم ، فبه تستنير العقول ، وتتطور المؤسسات ، وتتماسك كل فئات المجتمع ، ويمتلك الإنسان مفاتيح حاضره ومستقبله بوعي وعلى أسس سليمة أمنه، فالعلم هو المعرفة والفكر، وهو الأمن والاستقرار ، وهو التطور والازدهار ـ وهو القوة التي تمكننا أن نبقى أسياد القرار في ظل هذا الحراك العالمي على مختلف الأصعدة. والعلم هو من يمنحنا فرصة لبناء وطننا الحبيب الذي سيظل هدفنا المنشود ازدهاره وقوته ، فماذا يفيد العلم إن لم يكن وسيلتنا لبناء وطن ليس لنا وطن غيره؟
ولأننا أبناء جامعة مزدانة بعقولٍ عالمة ومهاراتٍ مبدعة وطاقات علمية لايقلّ شأنها عن شأن طاقات وطنية وعربية وعالمية في البحث والابتكار والإنتاج العلمي الغزير، الذي يملأ بطونَ الكتب المتخصصة ، و فصولَ المجلاتِ والدوريات العربية والدولية ، وينافس في أرقى المنتديات العلمية الكبرى محليا ودوليا؛ لأنّ كل هذا متوافر بجامعتنا، وبتكاثفِ جهودِ الجميعِ ، وبتحالفِ علميٍّ جاد، فقد استطعنا أن ننفتحَ على طرح إشكاليات علمية معاصرة راهنة ، تواكب آخرَ التطورات العلمية والفكرية والأدبية في العالم العربي والدّولي بكل فخر واعتزاز، ونسعى دائما إلى صناعة الوعي الاستشرافيّ ، وتحيينِ الرؤى المستقبليةِ في مختلف الجوانب الحسّاسة التي تخصّ مركزَنا الجامعي، من أجل أن نسطّر برامجَنا الدقيقةَ والمدروسة، ولكي يظل الحدثُ الجامعيُّ السديدُ الواعي من صنيعِ وتدبيرِ وتفكيرِ عقولِ مننتسبي المركز؛ من إداريين واعين ، وأساتذة حريصين، وطلبة حالمين، في طاقم متعاون و متراصٍّ مصمّم على جعل هذا الصرح العلمي في مصاف الجامعات الجزائرية الكبرى، و بالعلم نتمكن من صياغةِ مشروعٍ مؤسّساتيّ رصينٍ ومكين ، يأخذ بكلّ التخصّصات، و مختلف التوجهات ، معتمدا على عَقد وإبراِم اتفاقياتِ تعاونٍ مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين والتربويين والثقافيين ، للإفادة والاستفادة ، وهو ما سيُبرز ويؤكد فعلا بأن الجامعة هي محورُ تطورِ الأمم ومركزُ إشعاعٍ علمي وفكري وثقافي، ليصب كلُّ ذلك في الارتقاء بالجامعة الجزائرية، لتحقيق التطور والازدهار والرقي لهذا الوطن العزيز الذي سنسخّر له كل إمكاناتنا وقدراتنا واستشرافنا من أجل مستقبل أفضل.
إنه كلما لاح يوم السادس عشر من شهر أفريل ملوحا إلينا بيوم العلم ، نستعيد فيه ذاكرة كبير الإصلاحيين الجزائريين، الشيخ عبد الحميد بن باديس ، أحد علماء الجزائر الذين باهت بهم الأمم لعقود وسنين ، والذي قضى عمره بين رفوف العلم ومجالس العلماء ، وسخّر حياته لخدمة شعبه ووطنه ، فكان أن أسس مشروعه الفكري النهضوي الإصلاحي ليحيي أنفس الجزائريين حين تهددها خطر المستعمر الفرنسي، فأحيا فيها الثورة على المستدمرين ، وعلى استعباد العدو الغاشم اللعين ، وحارب الجهل والأمية ، وجعل العلم مبتدأ الحياة ومنتهاها ، بتأسيسه لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، التي كان الإصلاح هدفها ، والوطن عمادها ، ولم تكن تملك من وسيلة لغاياتها النبيلة سوى العلم ، وصناعة العلماء .
ولكن حين تحل ذكرى يوم العلم ، نتذكر أيضا تاريخنا المجيد بفخر كبير ، ولا نغفل عن حاضرنا ومستقبلنا ، وأنه لا سبيل لنا لبنائه سوى بالعلوم والمعارف ، وبالعقول الراقية والأفكار البناءة ، وإننا في مركزنا الجامعي واعون جميعا بقيمة العلم ، ولا نشك لحظة واحدة بأنه طريقنا إلى التميز وسبيلنا إلى التطور ، و رهاننا الأول من أجل أن نشارك – كباقي المؤسسات الجامعية عبر تراب وطننا الحبيب – في بناء منظومة جامعية ، ومؤسسات علمية ، ونخبة منتِجة مثقفة تؤسس لرؤية أكاديمية واعية وإيجابية ، تصبّ جميعها في خدمة هذا الوطن.
إنّ رهاننا الكبير ، هو أن نهيئ كل الظروف اللازمة من أجل جعل مركزنا الجامعي حاضنة لمشاريع علمية هادفة ، والتأسيس لتقاليد علمية تشيد صروحا بحثية علمية مستقبلية يجد فيها طلبتنا سندهم في المستقبل ، كل هذا جعلنا كشركاء جامعيين بالمركز نتشارك العمل ونتكاثف في الجهود ونتآزر في البذل ونتكامل في الرؤى لهدف واحد ، وهو التأسيس لصرح علمي لا يقل شأنه بين الصروح والمؤسسات العلمية الأخرى ، لقد جعل منا هذا الهدف وهذا الحلم نضاعف البذل ، فتجد الإدارة تهيئ للعلم ألف سبيل، وتحتفي به وبأهل العلم من الأساتذة والطلبة ، وتجد الأساتذة يرفعون بالعلم – من خلال بحوثهم ونشرياتاهم العلمية ومؤلفاتهم – لواء العلم عاليا ، ولايقل اهتمام الطلبة بالعلم والبحث بمركزنا من اهتمام الطلبة الجزائريين في مختلف الجامعات ، فتجدهم يزاحمون أهل العلم ، ويناقشونهم في محاضراتهم بروح الباحث المتواضع الذي يريد أن يكون طالبا للعلم بالمعنى الحقيقي ، وتجدهم يملؤون المكتبة بحثا ونقاشا ، وقد وجدوا كل التسهيلات والاهتمام من الإدارة ومن الأساتذة ومن بعضهم البعض.
إذا كان الجانب العلمي سيأخذ النصيب الأوفر من حياة الطالب الجامعية ، فإن الجانب الثقافي الموازي للنشاط العلمي التحصيلي، لا يقل أهمية عن الجوانب الأخرى، لذلك اهتمت كبرى الجامعات العربية والعالمية، بخلق فضاءات موازية هامشية مدروسة للثقافة الهادفة إلى توعية الطالب وتهيئته لاحتضان مشروع مؤسسته ولتحسيسه بقيمته في صناعة جو جامعي مفيد وهادف ، ومساهمته في توطيد علاقته بثقافته الوطنية و زرع ثقافة الفعل التشاركي مع مختلف الطلبة في مختلف التخصصات، والتعايش العلمي الثقافي السليم ، لذلك يعدّ المشروع الثقافي في مؤسستنا الجامعية ضروريا ، خاصة إذا انطلق من رغبة المجتمع الطلابي في إبراز رغباته وميولاته وتقبل المشاريع الهادفة التي تلبي طموحاته ،وفي مساهمته في صناعة الثقافة الواعية لكي يتصدى بذلك لكل غزو ثقافي هدام، ومما يحمله مشروع مركزنا الجامعي العلمي الثقافي:
1- تنظيم ندوات علمية وأدبية وثقافية داخلية ، تحتفي بإصدارات الأساتذة العلمية، من كتب ومقالات وإنجازات أدبية ثقافية وعلمي ، وبشكل دوري.
2- تنظيم ندوات ولقاءات ثقافية داخلية تحتفي بنشاطات الطلبة وإنجازاتهم في مختلف الفنون والتخصصات والمجالات.
3- التفكير في تنظيم مهرجان وطني للإبداع الطلابي ، يشارك فيه طلبة المركز منظمين ومساهمين ، وينفتح على إبداعاتهم المحلية مستقبلا الإبداعات المختلفة لطلبة الجامعات الجزائرية الأخرى، من خلال تنظيم مسابقة تنافسية في مجالات الإبداع الطلابي يشرف عليها أساتذة ومتخصصون، في مجالات إبداعية مختلفة( الشعرـوالقصة، الرسم ، العزف والإنشاد، الترتيل والتجويد، الابتكار، فن التقديم والتحاضر والتنشيط…)
4- تنظيم معرض فصلي للكتاب، تشارك فيه دور نشر مختلفة، و تؤطره لجنة مشتركة من الإداريين والأساتذة والمنظمات الطلابية ، تنظم على هامشه ندوات ثقافية وعلمية وقراءات شعرية وإهداء بالتوقيع للكتّب والمؤلفين، ويكون فيه اللقاء المباشر بين الطلبة والكتّاب والشعراء والفنانين والإعلاميين)
5- تنشيط حركة النوادي العلمية والثقافية التابعة للمركز الجامعي ، لتحسيسها بقيمتها الكبيرة في النهوض بالنشاط الجامعي الهادف، والإصغاء لاقتراحاتها وبرامجها المسطرة في تنشيط الحركة الثقافية الطلابية داخل الحرم الجامعي.( النادي الأدبي ، النادي العلمي ، النادي الأخضر ، نادي ذوي الهمم ( من ذوي الاحتياجات الخاصة)، نادي القراءة ، النادي الرياضي )
6- تنظيم جائزة سنوية لأفضل إبداع طلابي ، في تخصصات مختلفة ؛ كأفضل قصيدة، أفضل صورة فوتوغرافية، أفضل ابتكار ، أفضل لوحة زيتية ( ترتبط بمناسباتنا الوطنية والدينية ، أو تكون في موضوع حر)
7- تنظيم مسابقة للقراءة ، تحسيسا بقيمة المطالعة ، ترافقها ندوات عن فعل القراءة وإسهامه في تطوير العقل البشري خاصة لدى المجتمع الطلابي.
8- تفعيل الركن الأخضر، والتحسيس بقيمة التشجير وتنظيم حملات تشجير داخل العمل الجامعي بطريقة تشاركية.
9- -تنظيم أيام دراسية داخلية تهدف إلى معالجة إشكاليات علمية لدى الطلبة ،في كل المستويات، خاصة ما تعلق بطلبة التخرج.
10- تنظيم ندوات علمية تكوينية دورية لطلبة الدكتوراه في مختلف التخصصات.
11- تنظيم الندوات التاريخية والوطنية التي تجعل للوطن حضورا دائما وخالد في الوسط الجامعي ، ينشطها أساتذة متخصصون في التاريخ ومجاهدون وأبناء الشهداء وفيها: شهادات ثورية ، مساهمة المرأة في الثورة التحريرية ، صورة الثورة التحريرية في الصحافة الوطنية والدولية ، الثورة التحريرية في الأدب العربي ، أصدقاء الثورة ، مساهمة الطلاب في الثورة التحريرية. معرض للصور ، تكريم شخصية ثورية على قيد الحياة
12- تنظيم ندوات في شهر التراث ( شهر أفريل) وتتناول ( التراث ودوره في المحافظة على الهوية الوطنية) ، وتكون بالتنسيق مع مديرية الثقافة ومديرية السياحة والجمعيات الثقافية المحلية ، مع معرض لنماذج من التراث الوطني والمحلي من ألبسة وصناعات وأكلات تقليدية و غيرها.
13- تنظيم ندوات بمناسبة عيد الطالب( 19 ماي) ،ينشطها أساتذة وطلبة ومتخصصون في الحركة الطلابية الجزائرية منذ الثورة التحريرية ، ودورهم في صناعة جوانب هامة من تاريخ الجزائر ومستقبلها. ويتبع ذلك بعروض مختلفة لإنجازات طلاب المركز الجامعي. مع عرض فيلم قصير للأديب رابح ظريف عن مساهمة الطلاب في الثورة التحريرية.
وبعد كل هذا يمكننا القول: إن العلم هو سبيلنا الوحيد للرقي والازدهار ، وبه نطور أنفسنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا ووطننا كله ، لذا ظل الرهان على العلم سبيلنا الأوحد في مركزنا الجامعي، من أجل أن نسير بخطوات ثابتة وواثقة نحو مستقبل أفضل ، فالحمد لله الذي حبب إلينا العلم ، والذي وهبنا هذا الوطن الذي لن ندخر في سبيله شيئا. ونهنئ بهذه المناسبة كل أفراد عائلتنا الجامعية ، فنحن معا نصنع مستقبلنا.