احياء الذكرى الثانية والستون ليوم الهجرة 17 أكتوبر 1961
بقلم الدكتور : أسامة الطيب جعيل
تحيي الجزائر الذكرى الثانية والستين ليوم الهجرة والموافق ليوم 17 أكتوبر 1961م، حيث شن العمال الجزائريون بفرنسا مظاهرات سلمية ضخمة ضمت حوالي خمسين ألف مشارك (50.000)، جالوا الطرق الكبرى والرئيسية لمدينة باريس، وواجهتهم الشرطة الفرنسية بالقمع الشديد والقتل والتعذيب والرمي في نهر السين، فيوم الهجرة هو ذلك اليوم المشهود الذي خرج فيه العمال الجزائريون رجالا ونساء كبارا وصغارا، متظاهرين سلميا، احتجاجا على المعاملة العنصرية التي واجهوها من خلال قرار السلطات الفرنسية بمنعهم من الخروج ليلا، هم دون سواهم من سكان باريس، كما كان ذلك التظاهر عاملا لإبراز دعمهم لجبهة التحرير الوطني قائدة الكفاح المسلح في الجزائر.
أسباب مظاهرات 17 أكتوبر 1961:
نظرا لنجاح الثورة الجزائرية دبلوماسيا وتوالي بروز الداعمين لها من الأوساط الفرنسية، وتمكنها من تنظيم العمال الجزائريين وتوجيههم وحصولها على الأموال وتمكنها من تسريب الأسلحة إلى الجزائر، وقد سبق هذا التاريخ بأحداث مترابطة مهدت لوقوع ما وقع، ففي شهر سبتمبر 1961، قامت أجهزة الأمن الفرنسي بتوقيف وطرد مئات الجزائريين و اعتقال آخرين بمركز “فانسان”، ويشير بيان صادر عن محافظة الشرطة الباريسية في 23 من ذات الشهر، إلى أنه تم إخضاع أزيد من 29 ألف جزائري مغترب للتفتيش وتوقيف ما يربو عن 600 آخرين و طرد قرابة المائتين إلى الجزائر.
وفي يوم 06 أكتوبر 1961م، قامت السلطات الفرنسية بقيادة روجي فري (Roger Frey) وزير داخليتها و ( Maurice Papon) محافظ شرطة باريس بسن قانون حظر التحول على الجزائريين المقيمين بفرنسا ليلا، ذلك أن العمال الجزائريين كانوا يشتغلون نهارا، أما ليلا فينظمون أعمالهم النضالية، وبعد اجتماع مكتب مدير الشرطة الفرنسي تم إصدار البيان التالي: من أجل وضع حد للإرهاب، يُمنع على العمال الجزائريين التنقل ليلا، في شوارع باريس وضواحيها وبخاصة من الساعة 20.30 ليلا إلى الساعة 05.30 صباحا، باستثناء من له رخصة تقدمها له المؤسسة العامل فيها مؤشر عليها من قبل الشرطة.
مظاهرات يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 1961، الأحداث والنتائج
وهكذا وفي العاشر من شهر أكتوبر سنة 1961 اجتمعت اللجنة الفدرالية ودرست التقارير المعدة يوم السابع من شهر أكتوبر، والتي أجمعت على ضرورة العمل لمنع هذه التعليمة العنصرية والقيام بالمواجهة، وبعد دراسة الوضعية والتعرض لأساليب الحركة التي يمكن اللجوء إليها، وبناء عليه قررت اللجنة مجموعة من الأعمال المتدرجة على ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: خروج مظاهرات شعبية خلال ليلتين متتاليتن من قبل العمال المهاجرين من أجل كسر
حظر التجول، وهذا بعد الساعة الثامنة مساء بكل هدوء ونظام في الطرق الرئيسية لباريس
- المرحلة الثانية: إضراب كل التجار الجزائريين وبقاء متاجرهم مغلقة طيلة النهار تضامنا مع العمال، وكان
منتظرا أن يتم توقيف عدد مهم من المتظاهرين خلال المرحلتين السابقتين.
- المرحلة الثالثة: استدعاء النساء للتظاهر ليلا أمام مختلف الأماكن التي ستعين لهن فيما بعد، وقد حدد
يوم الرابع عشر من شهر أكتوبر للقيام بالمظاهرات، ونظرا لاقتراح المراقبين وباحتساب الآجال الضرورية للتحضير والإعلام حول إلى يوم الثلاثاء 17 أكتوبر.
فكانت البداية صبيحة الثلاثاء 17 أكتوبر 1961، حيث قام العمال الجزائريون التابعون لقطاع نيدهام (Nedham) بالتظاهر بالقرب من المسرح ابتداء من الساعة الثامنة وحتى العاشرة من يوم 17 أكتوبر من سنة 1961؛ هذا ما أعلنه راديو الساعة الثانية عشر والجرائد المسائية، وقد قدر عددهم بمائة وستين شخصا، تظاهروا بين مادلين (Madeleine) والأوبرا، وهو خطأ ارتكبته الفدرالية التي لم تشرح توجيهاتها بوضوح للعمال، وهو ما سمح للشرطة بالاستعداد للأمر. وفي الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة مساء (17.45) أخذت الشرطة مواقعها بأعداد هامة بباريس، ووضعت وحدات منها على مداخل ضواحي باريس لمنع عدد كبير من العمال الجزائريين من الوصول إلى مختلف نقط التظاهر، وبخاصة القادمين من خارج باريس في تلك الطرق الرئيسية للعاصمة، وقد برزوا من عدة نقطة الليلة وعلى الساعة الثامنة مساء قام العمال الجزائريون بمنطقة باريس بمسيرة طويلة صامتة عبر الأزقة وفي الشوارع وفي مداخل المدينة وفي جسر نويي (Neuilly) هذه الأبواب هي التي أمر “بابون” الشرطة بغلقها، كانوا خمسون ألف جزائري وربما تجاوزوا هذا العدد يحسب تقارير رؤساء الولاية.
فكان تدخل الشرطة الفرنسية قويا بحجة أن عناصرها تعرضت لطلقات نارية، وإصابة فردين بجروح، فيصعب تحديد عدد ضحايا المظاهرات من الجانب الجزائري، فقد تعرضت الصحف الفرنسية لأحداث المظاهرات، ذاكرة التقارير التي تتحدث على أن الضحايا سقطوا إما بالضرب والطلقات النارية أو الغرق أو بطرق أخرى، بينما ذكر علي هارون بمقتل أزيد من 200 شخص وجرح 2300 آخرين .
وتوثق هذه الجريمة لتصاعد العنف الممارس ضد الجزائريين السنة تلو الأخرى، في إطار محاولات المستعمر لإخماد فتيل الثورة التحريرية، بينما أكد المؤرخون على أن مظاهرات 17 أكتوبر وما تبعها من نتائج مروعة أجبرت الحكومة الفرنسية على استئناف المفاوضات مع الحكومة المؤقتة الجزائرية التي تم الاتصال بها في 28 من نفس الشهر للبدء في إجراء محادثات بمدينة بال السويسرية، حيث كان الطرف الجزائري ممثلا فيها بالفقيدين رضا مالك ومحمد الصديق بن يحي رحمها الله.